الخيانة والغدر وإحداث الشغب ، والفتن ، ونشر الفساد ، مما اشتهر به اليهود قديماً وحديثاً ، وذلك هو خلقهم ، وطبعهم ، وعلاجهم منه ليس بالأمر السهل اليسير ، ولذلك لا ينفع معهم في كثير من الأحيان إلا القتل ، أو الإبعاد ليبقى المجتمع سليماً من كيدهم ومؤامراتهم ، والتاريخ إلى يومنا شاهد بذلك ، فأينما حلوا أفسدوا ، ولم يتقبلهم أي مجتمع ، حتى إخوانهم في الكفر لم يقبلوا بهم .
وصراع المسلمين مع اليهود بدأ منذ أول عهد الرسالة ، وقد أقاموا عهوداً ومواثيق مع الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، ولكنهم سرعان ما نقضوها ، فبعد هزيمة قريش في غزوة بدر ، ازداد غيظ اليهود في المدينة ، وكان من أشدهم يهود بني قينقاع ، فقاموا بإثارة الشغب ، واستفزاز المسلمين ، فجمعهم الرسول صلى الله عليه وسلم ، وطالبهم بالإسلام قبل أن يصيبهم ما أصاب قريشاً ، فقابلوا ذلك بالرفض والصدود ، والاستمرار في الأذى مغترين بما لديهم من آلات الحرب لكونهم صاغة وحدادين وصنّاع فأنزل الله فيهم قوله تعالى : {قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد . قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار } (سورة آل عمران 12، 13) .
وذكر ابن كثير ، و ابن هشام أن امرأة من العرب جلست إلى صائغ في سوق بني قينقاع ، فجعلوا يريدونها على كشف وجهها ، فأبت ، فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها ، فعقده إلى ظهرها ، فلما قامت انكشفت سوأتها ، فضحكوا عليها ، فصاحت ، فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله وكان يهودياً فشدت اليهود على المسلم فقتلوه . فحاصرهم المسلمون في حصونهم حتى نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في رقابهم ، وأموالهم ، ونسائهم ، وذراريهم .
ثم قام عبدالله بن أبي بن سلول مطالباً رسول الله صلى الله عليه وسلم بإلحاحٍ شديد أن يعفو عنهم ، وكانوا حلفاء الخزرج ، فعامله الرسول بالمراعاة ، ووهبهم له ، وأمرهم أن يخرجوا من المدينة ولا يجاوروه فيها ، فخرجوا إلى أذرعات الشام ، بعد أن قبض منهم الرسول أموالهم ، ولم يلبثوا في الشام حتى هلك أكثرهم ، وكان عددهم سبعمائة رجل ، وهم رهط عبدالله بن سلام .