كان أحد الرجال شقياً، بالغ الشقاء، يرتكب الفواحش، ولا يتورع عن إظهار شقائه، وإعلانه، وكان قد أقدم على قتل تسعة وتسعين رجلاً، فكل معصية كانت تدفعه إلى معصية جديدة، وكل جريمة كانت تدفعه إلى جريمة أخرى، حتى بات قانطاً من المغفرة، يائساً من إمكان توبته، وتعرفه إلى الحياة الصالحة.
وذات يوم قصد ذلك الشقي بيت أحد الشيوخ العلماء، ليسأله هل من مجال له للمغفرة؟، وهل يقبل الله توبته؟ فدق عليه الباب، في وقت متأخر من الليل، فلما خرج له الشيخ، أشهر عليه الشقي خنجره، وأمسك بتلابيبه، من عنقه، وسأله، وهو يهدده: هل يغفر لي ربي؟ فصعق الشيخ، وكاد يسقط في يده، ونظر حوله، فرأى على الأرض قضيباً من حديد، كانت تحرّك به زوجته التنّور، فقال له: \\\"خذ ذلك القضيب، وأغرسه في الأرض، هذه الليلة، ثم عد إليه في الصباح، فإن وجدته قد أفرع وأثمر، فإن هذا دليل على أن الله سيقبل توبتك، ويغفر لك\\\"، فتركه الشقي، والتقط القضيب، ومضى به إلى الفلاة، فغرسه في موضع منها، ثم قفل راجعاً إلى بيته.
وكان في طريقه يمرّ في مقبرة، فلم يتورع عن المرور فيها ليلاً، فدخلها، وبينما هو يقطعها، سمع صوت نبش في قبر، فأبطأ، ودنا من موضع النبش، وقبع وراء أحد القبور، وأخذ يرقب ما يجري، وإذا رجل ينبش قبراً، فانتظر ليرى ما سيفعل، حتى إذا انتهى الرجل من كشف التراب، ووصل إلى الميت، مسح جبينه، وقال: \\\"هاقد وصلت إليك، إذا كان أهلك قد حرموني منك وأنت على قيد الحياة، فلن يستطيعوا حرماني منك وأنت ميتة\\\"، فأدرك الشقي على الفور أن الرجل يريد اغتصاب فتاة ميتة، فما كان منه إلا أن استل خنجره، وهجم به على الرجل، فأغمده في صدره، وأرداه قتيلاً، ثم أهال التراب على القبر، وسواه، ومضى إلى بيته، ينتظر الصباح.
ولما كان فجر اليوم التالي، مضى الشقي إلى الموضع الذي غرس فيه محراك التنور، فإذا هو أمام شجرة كبيرة، فارعة الغصون، مخضرة الأوراق، فتأكد من الموضوع، فأدرك أن القضيب هو نفسه هذه الشجرة، فما كان منه إلا أن اقتلعها من جذورها، وحملها على كتفه، ومضى بها إلى الشيخ، يدق عليه الباب، ولما خرج له الشيخ ألقى الشجرة أمامه، فبهت الشيخ، ودعاه إلى الداخل، وسأله أن يقص عليه ما فعل، فروى له الشقي ما كان من أمر الرجل الذي قتله، وأكمل به المئة، فقال له الشيخ: \\\"لقد غفر الله لك يا بني\\\"، فقبل الرجل يديه، ورجاه أن يعينه على التوبة، وبدء حياة جديدة، غير التي كان قد عاشها من قبل، فوعده الشيخ بذلك، وكانت عنده ابنة جميلة، ليس له غيرها، فزوجه إياها، وجعله أحد مريديه